عن أي إصلاحات سورية يتحدث أردوغان؟ / إسماعيل ياشا

المختصر /  الموقف التركي من أحداث سوريا ما زال يكتنفه الكثير من الغموض، رغم تصريحات أردوغان الأخيرة ـ محذرا فيها من تكرار مجزرة حماة ـ التي انزعج منها النظام السوري ودفع إعلامه إلى شن هجوم على رئيس الوزراء التركي.
أنقرة تحتضن الإخوان المسلمين والمعارضة السورية، ولكنها لا ترغب في إسقاط النظام السوري، على الأقل في الوقت الحالي، وتدعو إلى إعطاء مزيد من الفرصة لبشار الأسد حتى يتمكن من إجراء الإصلاحات في نظامه.
ويؤكد هذا ما ذكرته الصحف التركية يوم الأربعاء، من أن أنقرة حذرت خلال اجتماع عقد بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، والسفير الأمريكي لدى أنقرة، فرانسيس ريكارديوني، من أنه "يتوجب على الولايات المتحدة التفكير مرتين قبل جعل الأسد هدفا لأنه لا بديل له حاليا"، وأن أردوغان نصح الولايات المتحدة بمنح الأسد المزيد من الوقت لتنفيذ الإصلاحات.
وفي الوقت الذي أشارت فيه صحيفة "حرريت" إلى أن رئيس الوزراء التركي أبلغ السفير الأمريكي رغبة إيران في بقاء نظام بشار الأسد، كتبت صحيفة "ستار"، أن أردوغان يخاف من اندلاع صراع طائفي، ولذلك دعا إلى عدم الإخلال بالتوازنات القائمة في المنطقة.
بل زاد على ذلك الكاتب التركي "علي أسلان" يوم الخميس الماضي في مقاله بصحيفة "زمان" التابعة لجماعة فتح الله كولن، والمقربة من الحكومة التركية، وأشار إلى أن هناك تنسيقا وتفاهما بين أنقرة وواشنطن بشأن التغيير في سوريا، إذ إن عدم وجود مؤسسات تسد الثغرة بعد سقوط النظام، وكذا القلق المشترك إزاء التطرف السلفي والعامل الإيراني، جمعا بين تركيا وأمريكا وإسرائيل في المربع نفسه وعزز توحد مواقفها، حيث تفضِّل بقاء بشار الأسد مع إجراء بعض الإصلاحات على الفراغ الذي لا يعرف إلى أين يؤدي بالبلد.
يبدو أن أردوغان مصرٌّ على محاولة تحقيق المستحيل المتمثل في إصلاح النظام السوري نفسه بقيادة بشار الأسد، كما أصر في ليبيا على خيار الانتقال إلى المرحلة الجديدة بقيادة سيف الإسلام القذافي، حتى لقَّنه أهل بنغازي درسا لن ينساه.
هل يمكن أن يقود بشار الأسد المرحلة الانتقالية ويجري الإصلاحات؟ هل يمكن أن يحاكم المجرمين القتلة وعلى رأسهم شقيقه ماهر الأسد؟ هل يمكن أن يسترجع الأموال المسروقة من الفاسدين الذين نهبوا سوريا سنين طويلة وفي مقدمتهم ابن خاله رامي مخلوف؟ هل يمكن أن ينهي سيطرة حزب البعث على جميع مفاصل الدولة؟ هل يمكن أن يفكِّك أجهزة الأمن وعصابات الشبيحة؟
تركيا انتقلت إلى التعددية الحزبية في عام 1946 تحت ضغوط الولايات المتحدة ولكن الشعب التركي يحارب حتى هذه اللحظة للحصول على الديمقراطية والكرامة والحريات كاملة غير ناقصة، لأن أيديولوجية حزب الشعب الجمهوري وكوادره ظلت تسيطر على الجيش والقضاء وجميع مؤسسات الدولة، وتمنع إرادة الشعب أن تحكم البلاد دون أن تحصل على الموافقة من القوى التي تمثل هذه الأيديولوجية، وكانت معادلة "الجيش، + حزب الشعب الجمهوري = السلطة" قائمة إلى وقت قريب.
حالة الاحتكار للسلطة في سوريا اليوم وأوضاع تركيا ما قبل الانتقال إلى التعددية الحزبية، بينهما تشابه كبير، وبالتالي على السوريين أن لا يقبلوا بإصلاحات شكلية تمكن فلول البعث وقياداته من استمرار سيطرتهم، وأن يواصلوا ثورتهم إلى أن يحققوا جميع أهدافها، وإلا فإنهم سيحتاجون إلى سنين طويلة حتى يتخلصوا من دكتاتورية حزب البعث بشكل نهائي.
والغريب أن يدعو أردوغان إلى إعطاء مزيد من الفرصة للنظام السوري الذي أشبه ما يكون بعصابات إجرامية، لإجراء الإصلاحات المطلوبة، بينما هو نفسه يسعى في تركيا لاجتثاث شبكة أرغينيكون وفلولها، ويعي تماما بأن الإصلاحات في سبيل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، تكاد تكون مستحيلة في ظل تمسك هؤلاء بمواقعهم، والأغرب منه أن يطالب بعدم الإخلال بالوضع الراهن، ويروِّج لما يدعيه النظام السوري بأن ما بعده الطوفان والحرب الطائفية.
لا ندري، هل رئيس الوزراء التركي يلح على بقاء بشار الأسد، مغتصبا للسلطة، ويعتقد بأن الحرب الطائفية سوف تندلع في حال سقوط النظام السوري، أو أن هناك من يخوِّفه بذلك ويهدِّده بنقل الأزمة إلى داخل تركيا وخاصة قبيل الانتخابات التشريعية؟
إن كان أردوغان يؤمن بصحة ما يدعو إليه بشأن بقاء بشار الأسد وبشأن عدم الإخلال بالتوازنات الذي يعني الدفاع عن الأنظمة القمعية، فيمكن القول إن موقفه كان أكثر أخلاقيا في ليبيا، على قصوره، وأنه ليس من حقه أن يتلاعب بمشاعر الشعب السوري والجماهير العربية والإسلامية، حيث يوحي بأنه وقف بجانب الشعب السوري، ثم يدافع عن بشار الأسد واستمرار نظامه
المصدر: مجلة العصر

No comments:

Post a Comment